– إن الناظر في سير العلماء يخلص إلى حقائق مهمة ونتائج واضحة ،منها : معرفتهم بقيمة هذه الثروة الهائلة والكنوز العظيمة ، لذا فقد أولوها عنايةً فائقةً، واهتماماً واضحاً، وخدموها بجهودٍ ضخمة، ظهرت في صور عديدة مما ستكشف هذه الرسالة عن بعضه.
وعليه فمن واجبات أهل العلم اليوم: تبصير النشىء بأهمية هذا التراث الذي خلفه الأجداد، فهو عصرة عقولهم لقرونٍ عديدة، وثمرة جمعهم وسهرهم لآماد مديدة.
إن من واجباتهم-أيضاً- النهوض بهذا التراث، والحفاظ على هذه الترِكَة التي لايَقْدُرها قدرَها إلا هم، ولا يستطيع الحفاظ عليها حقًّا إلا هم.
– إنَّ ضعف الهمم عن القراءة وطلب العلم كان سبباً رئيساً في ضياع جزءٍ ليس بالقليل من هذه الثروة، كما كان للجهل، وعدم الوعي بقيمتها، وانتشار الحروب والفتن =آثار أخرى لا يستهان بها.
وقد أنحى كثير من أهل العلم، ومنهم الإمام الجوزي رحمه الله باللائمة على ضعف الهِمَّة في اندثار كثير من كتب العلم: قال : “كانت همم القدماء من العلماء عَلِيَّة، تدلُّ عليها تصانيفهم، التي هي زبدة أعمارِهم، إلا أن أكثر تصانيفهم دَثَرت، لأن همم الطلاب ضعُفت، فصاروا يطلبون المختصرات ولا ينشطون للمطوَّلات، ثم اقتصروا على مايدرسون به من بعضها، فدثرت الكتب ولم تنسخ”.
– قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في بيان المراد من العلم المطلوب التزود منه:”{هو} الذي يفيد معرفة ما يجب على المكلَّف مِن أمر عباداته ومعاملاته، والعلم بالله وصفاته، وما يجب له من القيام بأمره، وتنزيهه عن النقائض، ومدار ذلك على التفسير والحذيث والفقه”.
– لابد أولا من النظر في نوع الكتاب المقروء، فليس كلُّ كتابٍ أستطيع أن أُطبِّق عليه قواعد القراءة السريعة، فمثلا كتب الفقه أو الأصول أو المصطلح لابد من قراءتها قرادةً متأنية، ليتمكن القارئ من استيعابها وفهمها، فالقراءة هنا قراءة درس وفهم. إلا إن أردت التقاط أشياء معينة من هذه الكتب كألفاظ أو مصطلحات أو كتب أو مصادر فيمكن المرور عليها سريعاً.
– قال الإمام النووي -وهو يرشد الطالب إلى تعليق النفائس والغرائب مما يراه في المطالعة أو يسمعه من شيخه-: “ولا يحتقرن فائدة يراها أو يسمعها في أيِّ فنٍّ كانت، بل يبادر إلى كتابتها، ثم يواظب على مطالعة ما كتبه ..”.
وقال:”ولايؤخِّر تحصيل فائدة – وإن قَلَّت- إذا تمكن منها، وإن أمِنَ حصولها بعد ساعة، لأن للتأخير آفاتٌ، ولأنه في الزمن الثاني يُحَصِّل غيرها”.
فهذه نصيحة غالية ولفتةٌ من إمام، فتمسك بها تُفلِح.
فكم من عالمٍ أبدى أسَفَه وحسرته على فوائد فاته تقييدها فشردت، أو اتكل على حافظته فخانته (والحفظ خوَّان).
– ذكر ابن حزم عن يحيى بن مجاهد الزاهد قال: كنت آخذ من كل علم طرفا، فإن سماع الإنسان قوما يتحدثون وهو لا يدري مايقولون غُمَّة عظيمة.
* كتاب : المشوّق إلى القراءة وطلب العلم – تأليف: علي بن محمد العمران – دار عالم الفوائد
جميع الحقوق محفوظة لـ تفاصيل | تصميم وبرمجة : أوان